الثلاثاء، 12 يوليو 2011

أسرار نجاح العظماء


هي رسالةٌ للشباب المقبلين على الحياةِ، قد تختصرُ عليهم مشوارًا طويلاً من البحثِ عن طريق النجاح وأسرار النَّاجحين الذين أصبحوا ملء السمعِ والبصر، وأفادوا مجتمعاتِهم وأممهم خلال مسيرةِ حياتهم، وهم ممن كان نجاحهم حقيقيًّا؛ حققوه بأيديهم دون أن يتسوَّلوه، بل حفروا بأيديهم صخرَ الحياة وعانوا لأواءها ومشقتَها، وعانوا الأمرَّيْن للوصولِ إليه على عكسِ كثير من المشاهير الذين يصدرون للشبابِ على أنهم ناجحين، بينما لو دقَّقتَ في نجاحاتِهم لوجدتها أشبه بثيابٍ زور لا تقي حرًّا ولا بردًا.

وهذه العناصر المشتركة بين الناجحين مستفادةٌ من خبراتِ حياتهم، ولعلَّه من سعادةِ حظي أني منذ عرفتُ نفسي وأنا أحب الاطلاعَ على سيرِ النَّاجحين، وأكثر ما كان يستهويني منذ الصغرِ الجلوسُ إلى كبارِ السن وسماع قصصهم وخبراتهم، لا سيما والدي - رحمه الله - الذي كان عصاميًّا، وبزَّ كثيرًا من أقرانِه رغم وفاته شابًّا، فلما كبرتُ وتعلقت بالقراءةِ كنت أميل أحيانًا كثيرة للقراءةِ في السير الذاتية والذكرياتِ، وكتبِ التراجم والتاريخ، وفي معارضِ الكتاب كنتُ إذا وقعت على سيرةٍ ذاتية لأحد العظماءِ اشتريتُها دون تصفحٍ أو تدقيق في محتوياتها، على خلافِ الموضوعات الأخرى التي أحرصُ على التدقيقِ في محتوياتِها قبل شرائها، وكثيرًا ما كنتُ أسامر ابنَ خلِّكان، وأطربُ لتعليقاتِ الذهبي، وأتلذَّذُ بالسياحةِ مع الطنطاوي في ذكرياتِه الرائقة، وأحلِّقُ مع همة الندوي العالية، وأعجبُ لمذكراتِ مالك بن نبي، وغيرهم كثير ممن كتب عن نفسِه أو كتب عنه خاصته؛ مثل الفقيه ابن عثيمين، والمحدث الألباني، والأديب محمود شاكر، والإمام ابن باز - عليهم جميعًا رحمات الله وبركاته وعلى والدينا.

وقد كنتُ مع كل أولئك العظماء من العربِ والمسلمين وغير المسلمين ألحظُ تشابهًا في بعضِ الخطوط العامة التي تشكل خطَّ سير حياتِهم، فوصلت بعد طولِ تأمل وبحث إلى أربعةِ أسرار لنجاحهم؛ وهي القواعدُ العظيمة المشتركة في حياةِ كلِّ العظماء بحسب ما استنتجته، وهي كالتالي:
1- وجود هدف واضح للحياة يسعى إليه المرءُ ليحقِّقَه، وقد يكون لديه أكثر من هدفٍ لكنها متسقة وغير متعارضة، ولا يمنع من ذلك ظهورُ أهدافٍ أخرى خلال حياته ليضمِّنَها هدفَه الأصلي، ويوائم بينها بما يتفق مع هدفِه الأساس، على خلافِ غير العظماء الذين لا تجد لديهم هدفًا واضحًا، بل هم أبناء لحظتِهم ويومهم، وقد يتخلون عن أهدافِهم السابقة بسهولةٍ إذا عرض لهم ما يرون أنه أفضل أو أسهل، أمَّا العظماءُ فإنهم في الغالبِ يحافظون على أهدافِهم، لكنَّها تنضج معهم بنضجِهم؛ حيث تعتبر جزءًا لا ينفصلُ عن شخصياتِهم، وتجدهم يطوعون مسارَ حياتهم لخدمةِ أهدافهم السامية بكلِّ ما أُوتوا من عزيمةٍ وهمة وجلد، وقد يعدلون في بعضِ جزئيات من أهدافِهم بحسب المستجدات.

2- المداومة والصبر: فتجد لدى هؤلاء العظماء جلَدًا وصبرًا عجيبًا ومداومةً على تحقيقِ أهدافهم مهما كانت الصعوبات، وإن كانوا وحدهم، ولا يأبهون لانفضاضِ الآخرين عنهم؛ فتمر على أحدهم بعد سنوات طوال لتجده ثابتًا على صبرِه، مشتغلاً بعملِه الذي زهد فيه من بدأه معه، لكنهم مع ذلك يتواءمون مع المتغيراتِ من حولهم؛ بحيث لا تثنيهم عن تحقيقِ أهدافهم، والصبر سمة كل العظماء، تراه جليًّا في سيرهم.

3- الإتقان: والعظماء مع صبرِهم وجلدهم يحرصون على إتقان عملِهم، مما يعني تحسينه ومراجعة ما يقومون به ويطوِّرون خطَطَهم مع ثباتِهم على أصل عملهم، لكنهم يستفيدون من مستجداتِ الزمان وظهور أهدافٍ أخرى يضمنونها عملَهم الذي يحرصون على تجويدِه وتحسينه مرة بعد أخرى، كما أنهم في سبيلِ إتقانهم لعملهم يعرضونه على مَنْ يثقون في نصحِه وصدقه ولو كان من تلاميذِهم، ويعملون بمبدأ الشورى، ولا ينشرون شيئًا حتى يثقوا بنفعِه ويمحصوه تمحيصًا وتدقيقًا، وهم لا يستعجلون النتائج.

4- المكون السري: ثم مع كلِّ ذلك لاحظت مكونًا آخر لخلطة النجاحِ التي يتميز بها كلُّ عظيمٍ من العظماء؛ وهي كالبهارِ الذي يميزُ خلطةَ أحدِهم عن الآخرِ، فتجد بعضَهم يرعى حقَّ والديه ويبرهما برًّا عجيبًا يجعلك تعرفُ أنَّ هذا ما جعله يرتفعُ عن آخرين مشابهين له، تقدم عليهم مع مساواتهم له في جميع شؤونه، وتجد آخرَ تقدم مَن حولَه بحسن خلقِه وبذل نفسه للنَّاس ولخدمتهم، وآخر بسلامةِ صدره، وآخر ببذل ماله ووجاهته، وبعضهم لا تجد في صفاته ما يميزه إلا حب الخير للآخرين وتواضعه، وهكذا في خلطة عجيبة وتمايز فيما بين العظماءِ في هذا المكون السرِّي الذي يجعلهم يتقدمون على أقرانِهم الذين يشاركونهم زمانَهم واهتماماتهم.

وهذه هديةٌ لشبابِنا لأقولَ لمن يريد النجاحَ منهم: عليكم بهذه العناصرِ التي أرجو أن ينفعَكم الله بها: (وضوح الهدف - المداومة والصبر - إتقان العمل).

ولا تنسوا بعد ذلك أن تعتنوا بالجانبِ غير المرئي من أسباب النجاح؛ وهو سلامة الصدرِ وحب الخير للآخرين، وعليكم أن تبدؤوا بوالديكم وأهليكم ثم الأقرب فالأقرب، وكلَّما هيأ الإنسانُ نفسَه للإخلاصِ لله وبذل الخير ونفع النَّاسِ، أعانه الله وسدَّده، وكان نجاحُه أقرب.

وأعظمُ النجاح أن يحتاجَ إليك الآخرون ويفتقدونك إذا غبتَ عنهم، ويشعرون بنقصٍ في الحياةِ أثناء غيابك؛ حيث يصعبُ على غيرِك تعويضهم عن فقدِك.
فَتًى عِيشَ فِي مَعْرُوفِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ
كَمَا كَانَ بَعْدَ السَّيْلِ مَجْرَاهُ مَرْتَعًا

وقد يجد الشاب في نفسِه فتورًا أو ضعفًا إذا نظر إلى النهايات لكبرها وضخامتها، لكنه قد ينسى أن جميعَ العظماءِ كانت بداياتهم صغيرة أكثر مما تتخيل، لكنهم حرصوا على تنميتِها ورعايتها وتهذيبها، حتى أصبحت بعد أمدٍ بعيد عظائمَ الأعمالِ التي نراها بعدما رحلوا، لهذا فإني أنصحُ الشباب بألا ينظروا إلى النهايات إلا من قبيلِ التحفيز لأنفسِهم، ولبعث الأملِ في نفوسهم حينما يرقبون الفجرَ الباسم بإذن ربهم، وليعلموا أنَّ كلَّ عمل عظيم مهما بلغ من العظمةِ كان ذات يومٍ صغيرًا أكثر مما تتخيلون، وقد كنت أضربُ مثالاً لبعضِ الشباب بأجمل القصور التي نراها؛ هل وُجدت هكذا فجأة أم بدأت لبنات صغيرة؟

لكن الذي جعلها ضخمةً وجميلة - كما نراها حينما تعجبنا بعد انتهائها - هو متابعة العمل في بنائها وزخرفتها وتحسينها، وهكذا جميع أعمالِنا ستصبح جميلةً ومعجبة لمن يراها بعد إكمالنا لها والعمل على تحسينِها، والعبرة بالخواتيم.

ومن أجملِ ما قرأته في عرض نجاحات العظماء في سردٍ مشوق للشباب كتاب: "كيف أصبحوا عظماء"؛ للدكتور سعد سعود الكريباني، وفيه تحفيزٌ للقارئ للحاقِ بالعظماء، فدونكم أيها الشبابُ أسرار نجاح العظماء، وشيء من عطر كدِّهم وكدحهم وأخذهم للمكرمات غلابًا.

كتبه أبو بكر بن محمد

0 التعليقات :

إرسال تعليق