الأربعاء، 14 ديسمبر 2011

دعـــه فإنــه مـــراهق


           


كثيرا ما نسمع هذه المقولة أو نقولها بوعي أو بغير وعي لمراميها ، فبمجرد أن يحصل من شاب في مقتبل الفتوة والشباب أي سلوك غير مرغوب فيه ، أو غير منسجم مع بيئته رشقناه بهذا اللقب "مراهق".

فغدا لهذا المصطلح أثرٌ غير حميد ٍ على نفوس الشباب والبالغين الذين يتصورون أنهم رجال عقلاء أو نساء متعقلات حين لا يفهمون منه سوى التهمة المصحوبة بالرعونة والتمرد وقلة الأدب وسوء التصرف.
أما السبب في ذلك فهي الدراسات النفسية المترجمة وهي محصلة دراسات غربية على غير الجادّة العلمية أساطينها هم استانلي  هول صاحب أول دراسة عن المراهقين عام 1904 حيث يرى أن المراهق مريض نفسيا ، وستار ليك الذي يرى أن المراهقة مرحلة شذوذ وغرابة في السلوك.
وسيء الذكر فرويد الذي عزا جميع بواعث السلوك والاضطرابات إلى اضطرابات جنسية.
ومن هنا انتقلت تلك الاتجاهات النفسية وتفسيرها للمراهقة وغيرها من المراحل ومظاهر السلوك إلى المجتمعات العربية عبر الترجمة غير الواعية وأصبحت الدراسات العربية كالأسفنجة التي امتصت ما وجدته في تلك الدراسات ثم عصرته باللغة العربية؛ في عملية نقل وترجمة جمعت بين ضعف الترجمة من الناحية اللغوية وانحرافها من الناحية الواقعية وابتعادها عن السواء من الناحية الشرعية.
ونتيجة لذلك فقد بلغ السوء بهذا المصطلح-المراهق- أن أصبحت النظرة لمراحل الشباب الأولى تصطبغ بالشك والريبة في كل سلوك يقوم به الشباب وكأن الشباب جانٍ بغير جناية يُنتظر منه السقوط في كل لحظة في هفوة أخلاقية.
ولعل مثل هذا الاعتقاد هو ما يحمل بعض الشباب على السلوك غير السوي أو الانحراف ملتمسين العذر لأنفسهم من تلك النظرة الخاطئة من قبل المجتمع.
وقد حمل مصطلح المراهقة بعد ترجمته ونقله إلى الدراسات العربية معاني التمرد والتنقص للشباب إلى درجة أننا إذا أردنا وصم أي إنسان -سواءً كان كبيراً أو صغيراً- بالصلف والخروج عن الجادة كان أسهل وصف هو أن نقول: مراهق ؛ ولن يفهم السامع من هذا الوصف سوى الرعونة والخفة والسفه والصلف.
ومنشأ أزمة الهوية لدى كثير من شبابنا هو هذا المفهوم الغربي الذي استوردناه بعجره وبجره حيث أصبحنا نحاكم أبنائنا وفق النموذج الأمريكي حيث أن كثيراً مما يلصق بشبابنا عن أزمة الهوية لدى المراهقين إنما يعكس أزمة المراهق الأمريكي في الدرجة الأولى . والمصطلح حينما يُستورد من حضارة أخرى يحمل بالضرورة فكر وتوجهات وتحيزات صاحبه.
ولذا يُنظر للمراهق في عالمنا الإسلامي أنه يمر بأزمة هوية لا لشيء إلا لأن المراهق الأمريكي يمر بتلك الأزمة!.
ومما يدل على خطأ هذه النظرة السلبية أن النسبة الغالبة من شبابنا في مراحل الفتوة مستقرين ولا يحدثون الكثير من المشكلات بل تجدهم أعضاء فاعلين في أسرهم ومجتمعهم أكثر مشكلاتهم هي نقص الخبرة والتعجل وهي من سمات النفس البشرية.
حسنا فمن هو المراهق إذا ؟
هذا ما بينه بوضوح عبدالله الطارقي في كتابه دعه فإنه مراهق -قراءات في تحرير مصطلح المراهقة ط1- حيث نقل معنى مفردة المراهق في اللغة العربية والسنة النبوية ومباحث الفقهاء وشراح الحديث حيث تواردت أسفار العربية والحديث والفقه على تفسير واحد لمفردة المراهق فيقولون: " المراهق الغلام الذي قارب الحلم" وهو كما ذكره في المراجع اللغوية وشرح الحديث أنه مرحلة تسبق البلوغ تبدأ من سنة العاشرة حتى البلوغ وأقصى سن تصله عند الخامسة عشرة .
ونقل عن لسان العرب: " وراهق الغلام فهو مراهق : إذا قارب الحلم . وجارية مراهقة. ويقال جارية راهقة وغلام مراهق ؛ وذلك ابن العشر إلى إحدى عشرة".
والكتاب كما أنه تصحيح وضبط لمصطلح المراهقة من ناحية الدراسات النفسية وأثرها على المجتمع إلا أنه تجاوز ذلك ليكون مناقشة لمبادئ مهمة في صراعنا الحضاري منها :
1-إعادة النظر في الترجمة وضبطها للمفاهيم والسلوك الناتج عنها.
2-أثر الخضوع للحضارة الغربية على استمرار ضعف المسلمين عن النهوض بحضارتهم ونقل رسالتهم للعالم.
3-ردّ المسلمين لاعتبار القرآن الكريم والسنة النبوية معينا للدراسات الإنسانية.
4-لفت أنظار الباحثين إلى المساهمة في مشروع أسلمة العلوم.
5-مناقشة قضية أزمة الهوية لدى المسلمين .
6-تهيئة الطفل المراهق للبلوغ بأمن وسلام.وتجنيبه مخاطر الانحرافات السلوكية وأوحال الخطايا الجنسية.
7-نقد صريح للباحثين والنفسانيين العرب والمسلمين الذين ينقلون علم النفس الغربي إلى جامعات دول العالم الثالث دون تمحيص ولا تأصيل  ووصفهم بأنهم يقومون بعمل لا أخلاقي وأنهم يؤدون دور العملاء لبث الفكر الغربي بين شباب بلدانهم.
لم يكن ما سبق عرضا للكتاب بل كانت هذه قراءتي الخاصة- التي أحببت أن أقيدها- لكتاب دعه فإنه مراهق -قراءات في تحرير مصطلح المراهقة ط1 عام 1431هـ نشر دار كنوز المعرفة. لمؤلفه عبدالله الطارقي بارك الله في جهوده ونفع به.
وقد قدم للكتاب صفوة مختارة من مختلف التخصصات والبلاد العربية فمنهم اللغوي ومنهم الشرعي ومنهم النفساني وهو إضافة كبيرة لمكتبة علم النفس على وجه الخصوص.
كما أن أسلوب الكاتب جميل يشد القراء لتكملة ما يكتبه وذلك من خلال اختياراته الجميلة وحسن توزيع الموضوعات والحرص على عدم تشتت الأفكار لتخرج في نهاية كل فصل على قلة عدد صفحاته بما يغنيك عن كتاب في فكرته؛ فهو مجموعة كتب في كتاب واحد.
والكتاب قيم ويحتاجه كل مربٍ ومسئول تربوي وإعلامي وأب وباحث في قضايا النهضة كما يجب من أن يكون من المراجع المهمة لكل متخصص في علم النفس -إضافة إلى كتاب أزمة علماء النفس المسلمين لمالك بدري-.

كتبه أبو بكر بن محمد
1433/1/19هـ
qalmey.blogspot.com

0 التعليقات :

إرسال تعليق