أثبتت دراسة كندية حديثة أن للصغار ذكريات مبكرة ولكنها تتلاشى بمرور الوقت. ولمحاولة فهم كيف يكوّن الأطفال ذكرياتهم طلب الباحثون من 140 طفلاً في أعمار تتراوح بين 4 و13 سنة أن يقوموا بوصف ذكرياتهم الأولى ثم كرروا المحاولة بعد عامين لاحقين. وفي كلا المناسبتين طُلب من الأطفال تقدير أعمارهم عند حدوث تلك الذكريات الأولى وطلب من الآباء تأكيد حدوث تلك الأحداث، ووجد الباحثون أن الأطفال بين عمر أربع وسبع سنوات في المقابلة الأولى أظهروا تطابقاً ضئيلاً جداً بين ذكرياتهم التي قاموا باستدعائها أثناء اللقاء الأول وبين تلك التي استدعوها بعد عامين في اللقاء الثاني مع الباحثين.
وقالت أستاذة علم النفس كارول بيترسون وزملاؤها بجامعة نيوفاوندلاند بكندا: "لقد أكدوا في دراسة سابقة أن الأمر ليس كذلك وأن الأطفال في مراحلهم العمرية الأولى يمكنهم استرجاع أحداث ماضية، فالآن يشير الباحثون إلى أن الذكريات الأولى للصغار تتغير بمرور الوقت لتحل محلها ذكريات أحدث حتى سن العاشرة، وبهذه الطريقة يفقد الطفل الذكريات التي كوّنها قبل سن المدرسة". وأضافت: "كلما كبر الطفل تتباعد الذكريات الأولى له وتمحوها ذكريات جديدة حتى يصل إلى سن العاشرة عندما تتبلور ذكرياتهم، حتى عندما قمنا بتكرار ما قالوه لنا في الجلسة الأولى الكثير من الأطفال أنكروا حدوث تلك الأحداث لهم". وعلى العكس من ذلك حوالي ثلث الأطفال الذين كانت أعمارهم تتراوح بين العاشرة والثالثة عشرة في اللقاء الأول وصفوا نفس الذكريات الأولى أثناء اللقاء الثاني، فأكثر من نصف الذكريات التي قاموا باستدعائها كانت متماثلة في كلا اللقاءين. ويبحث الدارسون الآن لماذا يتذكر الأطفال أحداثاً بعينها وينسون أخرى، وبيَّنت بيترسون أن الأحداث المرعبة أو التي تمثل ضغوطاً نفسية هائلة على الأطفال تشكل نسبة صغيرة من الذكريات الأولى التي قام الصغار باسترجاعها في هذه الدراسة.وذهبت دراسات سابقة إلى أن الجانب الثقافي له أثر على تكون الذكريات الأولى للإنسان. فعندما قامت بيترسون وزملاؤها بمقارنة الذكريات الأولى لمجموعتين من الأطفال الكنديين والصينيين وجدوا أن الذكريات الأولى للأطفال الصينيين تتشكل عاماً أو عامين متأخرين عن الذكريات التي يكونها الأطفال الكنديين. ووجدت الباحثة الأمريكية روبين فيفوش نفس الشيء عندما قارنت في دراسة سابقة بين ذكريات الطفولة بين أطفال أمريكيين وصينيين، وتوصلت إلى أن الأطفال الذين ينتمون للثقافة الغربية يتمتعون بذاكرة قوية عن الطفولة لأن حواراتهم مع الأبوين وغيرهما من البالغين تكون أكثر ارتباطاً بالسيرة الذاتية للشخص. وقالت فيفوش: "كما نعلم من متابعة البرامج الأمريكية أنه من المقبول للشخص الغربي التحدث عن نفسه، ولكن الأمر ليس كذلك في مجتمع مثل المجتمع الصيني حيث لا يصبح من الملائم الحديث عن الذات أو محاولة لفت انتباه الآخرين، بل يكون من الأفضل الحديث عن أحداث في سياق الجماعة". وصرحت أيضاً أن الأطفال الذين يتلقون الكثير من الأسئلة عن خبراتهم ومشاعرهم الشخصية من أمهاتهم يكونون أكثر قدرة على تكوين مهارات الذاكرة في وقت مبكر، حيث إن حوار الأمهات الصينيات مع أطفالهن يكون أقل تركيزاً على الطفل وتتكون ذاكرة الأطفال في مراحل متأخرة من عمرهم. وأضافت: "في المقابل ينمي الأطفال الصينيون مهارات أخرى مثل القدرة على الانتباه، بالطبع هناك اختلافات فردية كبيرة داخل كل ثقافة بسبب طريقة كل أم في تعاملها مع صغارها". ويتذكر معظم الأشخاص البالغين القليل عن فترات الطفولة التي تسبق عامهم الرابع أو الثالث وقد كان الاعتقاد أن الأطفال في تلك الأعمار لا يتمتعون بالمهارات المعرفية أو اللغوية التي تمكنهم من تكوين وتخزين الأحداث في ذاكرتهم.
صحيفة خبر الالكترونية
0 التعليقات :
إرسال تعليق