وضع سيارته في موقف السيارات ليشتري بعض احتياجاته من السوق، وحينما عاد إليها، وجد سيارة أخرى قد أغلقت عليه الطريق، وحالت دون خروجه، صار صاحبنا في قمة الغضب، واشتد حنقه على صاحب السيارة، وهمَّ أن يهشم زجاجها من شدة انزعاجه.
وبينما يهم بفعلته النكراء، ظهر صاحب السيارة التي أغلقت عليه الطريق، شاب في الثلاثينات من عمره، يدفع أمامه والده المسن المشلول على كرسي متحرك، الذي أصيب بأزمة قلبية فاضطر ذلك الولد البار إلى أن يضع سيارته في أي مكان أمام المستشفى؛ حتى ينقذ والده المريض.
حينها تبدل موقف صاحبنا تمامًا، وهرع إلى ذلك الشاب ليساعده في حمل والده إلى سيارته، بعد أن اطمأن على صحته، ورحل وهو يؤنب نفسه فقد كاد أن يكسر زجاج السيارة بغير داعٍ.
ما الذي حدث حتى يتغير موقف الرجل من شدة الحنق إلى شدة الأسف؟ إنه ببساطة ما يطلقون عليه (الإدراك).
إن تغيير الإدراك، هو بداية الطريق الحقيقي لتغيير الذات؛ لأن الإدراك هو الذي ينتج الأفعال والسلوكيات؛ فإذا غيَّرت إدراكك تغيرت أفعالك وسلوكياتك تلقائيًا.
الخريطة والمنطقة:
(الخريطة ليست هي المنطقة)، مبدأ رئيسي يجلي لنا حقيقة هامة من حقائق الحياة، أن رأينا في الأمور يعبر عن إداركنا لتلك الأمور وليس عن حقيقتها، فمثلًا مدينة الإسكندرية تحوي بين جنباتها آلاف الشوارع والطرق والمباني، ولكن إن نظرت إلى خريطتها، فوجدت هذا الشارع أو ذاك المبنى، هل يعني ذلك أن ما رأيته هو الشارع ذاته أو المبنى نفسه؟ بالطبع لا؛ لأن ما تراه في الخريطة هو تصورك لها فحسب.
وهكذا إدراكنا عن الأمور، لا يعدو كونه تصورات ذهنية لها، فحينما تنظر إلى نفسك فتحسبها في ورطة ما، فهذا هو تصورك الذهني وإدراكك العقلي لما أنت فيه، وهذه النظرة قد تجعلك أسير تلك الورطة المتوهمة، بينما إن نجحت في تغيير إدراكك وتصورك الذهني، تستطيع أن تحول تلك الورطة إلى فرصة عظيمة تدفعك إلى مزيد من التطور والنجاح.
مصطفى كريم
0 التعليقات :
إرسال تعليق