الأحد، 11 نوفمبر 2012

هل أنا مكتئب؟

 




الاكتئاب ذلك المرض العصري الذي جاءت به المدنية الحديثة كجيش غاز للناس وتسببت التطورات العصرية في الإصابة به حتى غدا أكثر الأمراض شيوعا وقلما سلم منه إنسان في درجاته البسيطة..على عكس المجتمعات السابقة التي لم تكن تحفز ظهوره بنفس الشدة والسرعة.
وقد بين الله عز وجل أن الجنة كاملة ومبرأة من الحزن في بيان لأن الحزن"الاكتئاب" ابتلاء للإنسان وقد يكون ابتلاء أيضا لمن حوله من أسرة وأهل.وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام "يستعيذ من الهم والحزن" فالهم يتناول المستقبل وينتج عنه مرض القلق الذي ينافس الاكتئاب في شيوعه.. والحزن على الماضي وهو ما يعانيه المكتئب..
وقد يتناوبان على الإنسان ويجتمعان عليه وقد يكون أحدهما أقوى من الآخر فيظهر عليه.. وقد يمتزجان لينتج عنهما خليط يشكل مرضا مركبا منهما يسميه بعض المختصين " القلق الوجودي".ولأن هدفنا هنا التعرف على الاكتئاب فإننا سنركز الحديث عليه وسنعمل على الاختصار وتبسيط الموضوع ليفهمه غير المختصين ويناسب جميع القراء.

هل أنا مكتئب؟
سؤال يسأله البعض وخاصة إذا تعرض للهم والحزن بسبب المشكلات اليومية أو الحوادث المفاجئة كوفاة عزيز أو حدوث مصيبة ..
وهنا لابد أن نعلم أن كل الناس يمرون بأوقات يشعرون فيها بمشاعر حزن وأسى وذلك شيء طبيعي وخاصة حينما يصاب الإنسان بحوادث أو يفقد إنسانا عزيزا عليه بشكل مفاجئ أو يتعرض لضغوط الحياة المعاصرة.و تزول مشاعر الأسى هذه بعد أيام أو بضعة أسابيع ليعود الإنسان إلى حياته بشكل طبيعي.
لكن إذا زادت تلك المشاعر لتصبح شعورا ملازما للإنسان أو تسببت في محاولته لإلحاق الضرر بنفسه أو الانقطاع التام عن الحياة وأنشطته السابقة فهنا يمكن أن نقول أن هذا الشخص مصاب بالاكتئاب.وعادة ما تصاحبه مشاعر القلق واليأس ويصاحبه الأرق لفترة طويلة بدون أسباب ظاهرة.
ويتميز المكتئب بمشاعر الذنب المبالغ فيها ..وفقدان الشهية والبكاء المتكرر.. وتنعدم ثقته بنفسه..ويمارس التأنيب للنفس باستمرار..وحين ينشأ الاكتئاب يضعف نشاط الشخص بشكل ملحوظ وقد يتبلد..
وتقل علاقاته الاجتماعية بشكل كبير جدا..
وينطوي على نفسه ويشعر بخيبة أمل كبرى في الحياة وفي كل ما حوله..
وتقل مشاعر المكتئب العدوانية تجاه الآخرين لأنه يحمل نفسه الذنب بشكل دائم .. ويحاول دائما استرضاء الآخرين ويخاف من رفضهم الاجتماعي له ..لكن المكتئب يصل في نهاية المطاف إلى إدانة الآخرين لعدم تقبلهم له ثم إدانة نفسه تبعا لذلك..
والمكتئب دائما يفكر في الماضي ويجتر أحزانه.. ويتجه للعزلة والانطواء ..
والمكتئب تسيطر عليه أفكار مدارها أنه عديم الجدوى في الحياة .. وأن الموت خير له من الحياة ولذا فالمكتئبون أكثر المرضى النفسيين ميلا للانتحار والإقدام عليه بسبب يأسهم الذي بلغ أقصى مداه..

أعراض الاكتئاب :
للاكتئاب أعراض عامة يمكن أن تدل عليه غير ما سبق ومنها:
- عدم المبالاة والاكتراث بشكل عام- تدنّي مستويات النشاط بشكل متواصل- وجع الظهر- حزن دائم- ضعف في الذاكرة- الصداع- اضطراب المعدة- مزاج سيء باستمرار- عدم القدرة على مواجهة الصعاب- الأرق أو الاستيقاظ مبكرا في الصباح وبعضهم يميل إلى الإفراط في النوم- فقدان الرغبة في ممارسة الجنس- فقدان الشهية وقد يبالغ في الأكل في بعض الأحيان- فقدان التركيز- قلة الاعتداد بالنفس- الشعور بالذنب- القلق- وساوس سقيمة وخيالات وهمية وأفكار غير عقلانية- التفكير في إيذاء النفس- وبعضهم يكون لديه هياج وعدم استقرار بدني.
وهذه الأعراض ليست بالضرورة أن تجتمع في شخص واحد أو في وقت واحد إذ هنالك عوامل تحدد الاختلافات بين مريض وآخر.

أسباب الإصابة بالاكتئاب :
يظهر الاكتئاب لأسباب مختلفة منها:
-انتشار المرض في العائلة وقد يكون ذلك راجع للتربية أو نوع من الوراثة.
-العمر فكلما تقدم عمر الإنسان زادت نسبة الإصابة به وكبار السن والعجزة تظهر لديهم مظاهر الاكتئاب لشعورهم بأنهم أصبحوا عبئا على الآخرين.
-كثرة تعرض الإنسان للمشاكل النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.
-تعرض الفرد للضغوط النفسية الشديدة أو المفاجئة التي يعجز بعض الناس عن تحملها ... وخاصة الذين ينشئون في أسر "الحماية" التي تحاول تجنيب أطفالها كل الأخطار.
-الإصابة بالأمراض وخاصة المزمنة أو الخطيرة أو المتكررة.
-إدمان الكحول والمخدرات .
-ضعف الوازع الديني وقد دلت بعض الدراسات النفسية الحديثة على أن الدين سبب رئيس في السعادة وذلك أن الدين يعطي مفهوما واسعا لمعنى حياة الإنسان في حين تجد المكتئب يفتقد لهذا المفهوم ويرى عدم جدوى الحياة.
-الجنس له دور في الإصابة حيث دلت الإحصاءات على أن نسبة إصابة النساء بالاكتئاب أكثر من الرجال بدرجة ملحوظة.
-ذكر بعض المختصين أن تعقد الحياة جعل الإصابة بالاكتئاب يمكن أن تمتد للأطفال الصغار مع أنهم لم تكتمل مفاهيمهم عن الحياة بعد.

درجات الاكتئاب وأنواعه:
-الاكتئاب ليس على درجة واحدة فهناك الاكتئاب الخفيف وقد يصبح مزمنا إذا لم يعالج.
- وهناك الاكتئاب الحاد وهذا الذي تلاحظ عليه الأعراض السابقة ويمكن أن يلاحظها كل من حول المريض.
-وهنالك الاكتئاب الموسمي الذي يصاب به البعض في أوقات معينة من السنة.

علاج الاكتئاب:
والاكتئاب علاجه سهل في بداياته ويصعب كلما تقدمت الإصابة به لكنه قابل للعلاج وعلاجه متوفر لكن قد تطول خطة العلاج تبعا لتقدم المرض.
وفي المراحل الأولى يكفي الإرشاد وحده لعلاج المريض مع بعض الأساليب النفسية البسيطة..
لكن في المراحل المتقدمة يحتاج المكتئب المزمن إلى علاج مختص ..
ويعتمد العلاج على أساليب :
منها العلاج السلوكي المعرفي -والإرشاد الديني -والتدريب على تعزيز العلاقات الاجتماعية -وتعلم أساليب توكيد الذات -وتعلم فنون الاسترخاء والتخلص من القلق والتوتر -وتدريب المريض على زيادة مستوى الإيمان لديه..
وقد يستخدم الطبيب المعالج العقاقير في بدايات العلاج -غالبا - لتخفيف حدته بحسب مايراه الطبيب النفسي المعالج عندما يضع برنامج العلاج الذي يجب أن تساهم فيه أسرة المريض إضافة إلى المريض نفسه مع الطبيب النفسي أو المعالج النفسي.
ويجب أن نلاحظ أن برنامج العلاج يجب تساهم فيه أسرة المريض إضافة إلى المريض نفسه مع الطبيب النفسي و المعالج النفسي..
كما سيحتاج المعالج لتدريب أسرة المريض على طرق التعامل مع مريض الاكتئاب لتحملهم جزءا من المسئولية والمشاركة في دعم المريض اجتماعيا..وينبغي تجاهل سماع شكاوى المكتئب المتكررة مع التأكيد أنه في المقابل يجب تشجيع مشاركاته الإيجابية من قبل أسرته ومن حوله لأن هذا يساعده على تغيير تصوره عن نفسه بأنه عديم الجدوى لمن حوله..على أن يكون كل ذلك تحت إشراف المعالج المختص وحسب الخطة العلاج المتفق عليها مع المكتئب وأسرته ومن يمكن أن يساهم في مساعدته كزملائه في العمل أو أصدقاءه.
وكلما ارتبط الإنسان بالله عز وجل وزاد مستوى إيمانه كلما قلت مشكلاته النفسية ومنها الاكتئاب لأن الإيمان يمنح المعنى للحياة التي يعيشها الإنسان.
كما أن ممارسة الأنشطة المختلفة يقلل من المشاعر السلبية التي تؤثر على الفرد.
وكلما زادت مشاركات الإنسان في الأعمال التطوعية الخيرية كلما قلت مشاعره الاكتئابية وقد ذكرت بعض الدراسات النفسية الحديثة أن مشاركة المصابين بالاكتئاب لمدة ثلاث ساعات أسبوعيا في أعمال تطوعية خففت من اكتئابهم بدرجة ملحوظة .
وقد وصلتني هذا اليوم عبارة جميلة تقول : كنا نظن ونحن صغـــــار أن السعادة في الأخــــــــــــــــــــذ ولكن لما كبرنا عرفنا أن السعادة في العطــــــــــــــاء.
وقانا الله وإياكم والمسلمين شرور الاكتئاب.

                     كتبه لصالح موقع مستشاركم النفسي ‏@mostshar_com

                                                 خالد بن محمد الشهري
       @abubaker_m                                                              

                                                          



0 التعليقات :

إرسال تعليق