الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

السعادة في الدراسات النفسية الحديثة


                                 



هنا سنُلقي نظرة على السعادة في الدراسات النفسية الحديثة من أجْل سعادتكم، فهيَّا بنا نتناول فنجانًا من السعادة.

السعادة في الدراسات النفسية الحديثة لا ترتبط بكثرة المال؛ فكونك ثريًّا لا يعني أن تكون سعيدًا، وهذا مصداق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الغنى غنى النفس)).

وارتباط المال بالسعادة في الدراسات النفسية - من حيث خدمته لشراء لحظات جميلة مع الأسرة والأحبَّة - أمرٌ مُهم هنا لتوثيق العلاقات الاجتماعية عبر الهدايا والصَّدقة.

تقول العرب:
كل عيب يَستره السَّخاء، وكثير من الأسخياء يَجدون سعادة في إنفاق أموالهم؛ إذ وجدوا أنه يَجلب لهم السعادة بقدر ما يَجلبها لمن يَستفيد من نفقتهم عليه.

فلا تَستكثر - أيها الباحث عن السعادة - أن تُنفق مالاً لإسعاد مَن حولك، وابدَأ بمن تَعول، ثم أدناك فأدْناك، فذلك يزيد في الروابط الاجتماعية، ويَنعكس على شعوركم بالسعادة، فيُوجده إن لم يكن موجودًا، ويَزيده ويُجدِّده إن كان موجودًا.

والمقصود بالإنفاق والسخاء هنا: أن يكون باعتدالٍ وبشكلٍ مناسب لمستوى الدخل والحاجات الحقيقيَّة؛ حتى لا يتسبَّب بنتائج عكسيَّة على شعورك بالسعادة؛ فإن السَّرف لا خير فيه، وهو منهي عنه، والله - عز وجل - لا يُحب المسرفين.

التديُّن سعادة:
أثبتَت الدراسات النفسية عن السعادة وجودَ علاقة طرديَّة مع التديُّن، فكلَّما زاد تديُّن الفرد، زاد ذلك في سعادته، وشعوره بفَهْم الحكمة من الحياة.

وتلك الدراسات عن التدين بشكل عام، قد شمِلت جميع الأديان، فما بالك إذا كان الحديث عن الدين الحق الذي رضِيه الله لخلقه وأمَرهم به؟!

بل قل أجمل من ذلك وأكثر وأعظمَ، كلما تحدَّثتَ عن الإسلام الذي جاء؛ ليَرفع عن الناس إصْرهم والأغلال التي كانت عليهم، وجعَلهم يعرفون معنى السعادة الحقَّة في الدنيا قبل الآخرة؛ قال عز من قائل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

السعادة وِراثة أم تعلُّم:
ذكرت بعض الدراسات أن السعادة لها علاقة بالجِينات الوراثية، لكن هذا لا يعني أن الفرد لا يستطيع اكتسابها، بل إن أسباب السعادة متوافرة بين يديك بكثرة، ومفاتيح السعادة وأسبابها مبذولة لكلِّ طالبٍ لها، ويُمكنك أن تحصل عليها من خلال أمور كثيرة، أهمها:
 أن تتخلَّص من الأفكار السلبية؛ إذ إنها تُعَد أكبر عائقٍ أمام الشعور بالسعادة.

 وحينما تُدرِّب نفسك على التفكير الإيجابي، وتتخلَّص من النظرة السلبية، فإنك تَقطع شوطًا كبيرًا في التقدُّم للاستمتاع بحياتك، ويَزداد شعورك بالسعادة.

 كما أن عنايتك بتوثيق علاقاتك الاجتماعية، واهتمامك بإسعاد مَن حولك، سيُهدي لك قدرًا كبيرًا من السعادة دون أن تَشعر.

 أضِف إلى ذلك التديُّن الذي ذكرناه من قبلُ.

أنفِق سعادة، يُنفَق عليك رضًا:
السعادة كالمَعين الجاري الذي لا يَنضب؛ إذ كلما أنفَقت منه على مَن حولك، زاد رصيدك؛ ولهذا يَحرص المعالج النفسي على أن يتطوَّع بعض المرضى النفسيين في خِدمات اجتماعية، وتَذكر بعض الدراسات النفسية أن مشاركة المكتئبين بثلاث ساعات أسبوعيًّا في خدمات تطوُّعية، يُسهم بشكل واضحٍ في خُطط العلاج النفسي.

السعادة للكبار:
من أهم الأمور في السعادة: طريقة تفكيرك ونظرتك للأمور، فكلما كنت أقدرَ على التأقلُم مع صعوبات الحياة اليومية، زادت فرصتك في السعادة، وهذا ما حصَّله كِبار السن مع تجارب الحياة، وقد ذكَرت بعض الدراسات الحديثة عن السعادة، أن مَن تجاوز الأربعين أكثر سعادة، وهذا عائد إلى تأقْلُمهم مع يوميَّات الحياة، فيَكسبون السعادة، ويتخفَّفون من همومها، بقَبول العفو والصبر على النقص والخَلل، على حين تجد الشباب ثائرين على كل شيء، ودومًا معترضين؛ ولهذا تقل فُرَصهم في الاستمتاع بالسعادة، ومع كثرة التجارب تُهذِّبهم الأقدار؛ ليتعلَّموا شيئًا من فنون الحياة.

اسْعَدوا، تَصِحُّوا:
تَذكر بعض الدراسات النفسية الحديثة أن السعداء أكثر نشاطًا وأفضل صِحة، كما أنهم أفضل استجابة؛ مما يُقلِّل إصابتهم بالأمراض، على عكس الساخطين الذين يكونون أكثر عُرضة للإصابة بأمراض العصر، وقد أصبح معروفًا للجميع أن هنالك ما يُسمى بالأمراض النفسجسمية التي تكون أسبابها نفسيَّة وآثارها جسمية.

معوقات السعادة:
 مما يعوق مشاعر السعادة: الرغبة المُلحَّة فيما لا تَملِكه.

 وكثرة التفكير فيما ليس عندك، يُفسد عليك مُتعة الأشياء التي تَملكها، وينبغي استحضار أن الغنى غنى النفس دومًا.

وأخطر ما في ذلك أن تتكاثَر لديك المشاعر السلبية وتَنمو؛ حتى تؤثِّر على الإيجابية ما لم تتحكَّم فيها، وقد شبَّهناها بالطفيليَّات التي تنمو حول الأشجار المفيدة، فتُضايقها في غذائها، وتُزاحمها في مكانها حتى تُخرجها منه، وذلك يقودنا لأن نتذكَّر أن علينا أن نستفيد مما بأيدينا، ونسعى لما نحتاج إليه، دون أن نَزهد فيما بين أيدينا، وذلك في ضوء: استعنْ بالله ولا تَعجِز.

وفي نتائج بعض الدراسات أن هنالك عنصرين مهمَّين في تحقيق السعادة:
الأول: أهمية تحقيق الرضا بالأشياء التي يَمتلكها الشخص.
الثاني: الإبقاء على الرغبة والسعي في امتلاك أشياءَ أخرى.

أين تتكاثر السعادة؟
ذكَرت بعض الدراسات أن السعادة تنتقل بالعدوى بين أفراد الأسرة والأصدقاء؛ ولهذا فمن المهم أن يسعى ربُّ الأسرة لإضفاء رُوح السعادة على أُسرته.

كما وُجِد أن أكثر وسط مناسب للسعادة هو الأسرة؛ ولذا نصَحت هذه الدراسات النفسية مسؤولي الشركات بإعطاء موظَّفيها وقتًا أكثر يَقضونه بين أُسَرهم؛ لينعكس على إنتاجهم.

وذكَرت أن قضاء وقت كافٍ للموظف مع عائلته، هو المِفتاح لحياة صحية وسعيدة، وكما نعلم فإن هذه الشركات يهمُّها ألا تتحمَّل تَكلفة علاج كبيرة لموظَّفيها بسبب الأمراض النفسجسمية.

كما ذكرت دراسات أخرى أن الرجال والنساء ربَطوا سعادتهم الشخصية بسعادة أقرب وأعز الناس لديهم، وهذا يُعيدنا لمفهوم عدوى السعادة.

فهل حاوَلت أن تكون سببًا في سعادة مَن يُحبك؟

تذكَّر أن الأمر مهمٌّ، ولا تتوقف السعادة عندك، بل من حولك ستَنتقل إليهم سعادتك بالعدوى، وأنت في هذا على أجرٍ وخير عظيمٍ؛ لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وسرور تُدخله على مسلم)).

كما أن التأمُّل في قول الله - عز وجل -: ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32]، يُعطيني شعورًا بأنه يمكن أن يَشمل إحياءَها نفسيًّا، والله أعلم.

هل سمِعت بأعصاب السعادة؟
ذكَر بعض العلماء الباحثين - وهو البروفيسور البريطاني فرانسيس ماكجاون - أن هنالك أعصابًا مسؤولة عن السعادة، تتأثَّر باللمس والأحضان، تُرسل إشارات عصبية تزيد السعادة، سمَّاها: حُزمة الأعصاب سي، وهي مسؤولة عن السعادة، وليس لها علاقة بالأعضاء الجنسية، وهي غير موجودة في الكف ولا أسفل القدم، وفائدة حُزمة الأعصاب سي - كما يذكر مُكتشفها - أنها تساعد في علاج حالات الآلام المُزمنة.

الذكاء والسعادة:
وُجِد أن السعادة ترتبط بالذكاء الوجداني؛ إذ تزيد بزيادته، ووجَدوا أن ذَوِي الذكاء الوجداني المرتفع أكثر نجاحًا في حياتهم المهنيَّة، والذكاء الوجداني بشكل مختصر يعني: تحكُّم الفرد في انفعالاته، وتنظيمها مع مَن حوله، واكتساب مهارات اجتماعية وانفعالية، تساعد على النجاح المهني والاجتماعي وفي الحياة بصورة عامة.

مفاتيح السعادة:
أشارت دراسات عربية إلى ارتباط السعادة إيجابيًّا بالثقة بالنفس، والرضا عن الحياة، والتفاؤل والوجدان الإيجابي، والصحة والتديُّن.

وقد لخَّص بعضهم مفاتيح السعادة في: التفاؤل، الود وحب الآخرين، البُعد عن الروتين في الحياة، الاستمتاع بما تعمل.

ولا تَغفل عن تغذية الجانب الرُّوحي؛ من خلال العبادة والصلاة، وألوان العبادات الأخرى؛ فإن لها أعظمَ دورٍ في تحصيل السعادة وتَنميتها.

إضافة لذلك، فإن من مفاتيح السعادة ما يسمَّى بالاتِّزان الانفعالي، وهو أن يتوازَن الإنسان في تعاطيه في أمور حياته، فيَفرح باتِّزان ويَنفعل باتِّزان؛ لأن الذين ينفعلون بشدة ويفرحون بشكل زائدٍ، هم أسرع في زوال السعادة عنهم.

أسباب السعادة، هلاَّ تعرَّفت عليها!
كنت قد كتبتُ من قبلُ عن "أسباب السعادة"، حاوَلت أن أجمع أسبابها النفسية على ضوء ديننا العظيم، وستجد فيها ما يُعطيك قناعات بأن كل الدراسات النفسية الحديثة، لن تدرك إلا أقلَّ القليل من منهج النبوة في تحقيق خير الدنيا، أما الآخرة، فهو خاص بنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - ومَن تَبِعه.

                                                                            د.خالد بن محمد الشهري
                                                                                 @abubaker_m

                                                                                                           

للاستزادة:
 مقال أسباب السعادة على موقع الألوكة؛ على هذا الرابط:
 http://www.eftinfo.com/forums/showthread.php?t=3638
 http://www.anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=13175
• http://www.shabab3net.com/vb/showthread.php?t=11432&page=1


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/46084/#ixzz2BSOcPueI

0 التعليقات :

إرسال تعليق