الأحد، 18 نوفمبر 2012

تويتر-بوك.. وممارسة الحب مع الذات



سأروي حادثة ثم أفضي بسر.  وقعت القصة في السادسة من صباح أحد الأيام.  كنت أنزل من سيارتي أمام مكتبي، وإذا براكب دراجة "ماكدونالدز" يقف إلى جواري.  وقبل أن أدلف إلى المصعد وجدته يرافقني حاملاً "الهامبورجر" صاعدًا إلى أدوار أعلى.  ابتسمت وقلت:  "مستحيل! هل هناك من يأكل الهامبورجر في السادسة صباحًا!؟ أكيد هذه وجبة إفطار ماكدونالدز بالجبن والبيض!"  هز رجل التوصيل رأسه نافيًا وقال: "وجبة الإفطار تبدأ في السابعة صباحًا! هذه وجبة لحوم كاملة الدسم طلبها أحد مدمني الإنترنت."

أما السر فهو أن "تويتر" و"فيسبوك" أخطر من لعبة المزرعة السعيدة!  والمزرعة السعيدة هي أتعس مزرعة في العالم، ولا أتعس منها إلا إدمان "الأنا."  إذ لاحظت مؤخرًا أن بعض من أضافوني على "فيسبوك" يبثون كلماتهم على حوائطه 10 مرات متتاليات. وهناك 3 أو 4 إعلاميين أتابعهم على "تويتر" يغردون عشرات المرات.  فلماذا نغرد ونفرد عضلاتنا على "تويتربوك" بهذا التواتر والتوتر؟  هل هناك دسم إلكتروني!؟

نعم.  في دراسة لباحثين من "هارفارد"، قرأت نتائجها في مجلة "أتلانتك"، تبين أن متعة التغريد و"الفسبكة" تضاهي متعة ممارسة الجنس أو أكل أشهى وجبة يتناولها الإنسان وهو جائع، لأنها تنشط نفس الخلايا الدماغية الحيوانية التحتية التي لا تتحرك إلا بفعل غريزي.  وهذا يعني أن "الفسبكة" و"التوترة" والحوارات الافتراضية أخطر من إدمان الكافيين والنيكوتين، وتتساوى مع إدمان المخدرات، لأنها تتلاعب بالمخ وترتقي بالإنسان بيولوجيًا وكيميائيًا إلى حالة من اللاوعي تخرج عن السيطرة.

يسقط في هذا الشرك عادة ضعاف الشخصيات من الأذكياء والمحرومين عاطفيًا، ومن يعيشون أحلام اليقظة، تحدوهم طموحات بلا خطط، وآمال بلا أعمال حقيقية، تتجسد على أرض الواقع.  فمن لا يستطيع أن يعبِّر عن نفسه، ويستخدم تعبيرات الآخرين بالإنابة، يذهب ليعبِّر عنها افتراضيًا.  فنحن نغرد ونرسم ونكتب على المساحات لنتكلم عن أنفسنا.  في تواصلنا الاجتماعي اليومي نتحدث عن أنفسنا من 40% إلى 50% تقريبًا.  أما على الفيسبوك فإن الأنا تحتل نحو 90% من المساحات التي تصنعنا ونظن أننا نصنعها.

كنت في حوار هاتفي مع أحدهم قبل أيام، وعندما طرحت سؤالاً محرجًا وواجهته بمشكلته، اعتذر عن مواصلة الحوار وساق قبضة من الأعذار، وفاجأني برسالة إلكترونية بعد 10 دقائق ليشرح نفسه ويطرح ذاته.  ولهذا أرى أن ما نسميه شبكات التواصل الاجتماعي هي ثكنات للانكفاء الذاتي والتواصل الخفي؛ تكاد تقترب في بعض مستوياتها من ممارسة العادة السرية، وإدمان المواقع المحرمة دينيًا واجتماعيًا وشخصيًا.  فكل ما نفعله في الخفاء ولا نستطيع مواجهة العالم به، هو سلوك غريزي مدفون في بيولوجيا الجسد، ومدفوع بكيمياء المخ.

التوقف عن التغريد والخربشة في كتاب الوجوه يحتاج إلى إرادة حديدية لا تقل عن قرار الإضراب عن الطعام وعن الحب، أو طرح الذات كبديل للعالم.  بعد تأمل مخرجات دراسة عالمي الخلايا المخية من "هارفارد" وهما:  "دايانا تامر" و"جيسون متشل" استطعت تفسير أعراض الاكتئاب التي اعترتني عندما فصلت من وظيفتي كمحرر في صحيفة الجزيرة السعودية عام 1984.  وفهمت ما يعانيه نجوم في حجم "أوبرا وينفري" عندما يقررون الاعتزال؛ ولماذا يصر نجم مثل "عادل الإمام" على البقاء تحت الأضواء بعدما انطفأت.  ولماذا يدمن دكتور، أو خبير مشهور، مواصلة نشر صوره على أغلفة عشرات الكتب التي لم يؤلفها!  هذه كلها ظواهر تحتاج إلى علاج من إدمان "الأنا" ومن ممارسة الحب مع الذات.

إذا كنت تقرأ هذا المقال على "تويتر-بوك"؛ أرجوك: "توقف فورًا" وتناول أشهى وجباتك المفضلة، أو مارس متعة أعلى!  وعلى فكرة: "المقال انتهى."

نسيم الصمادي
http://www.edara.com/WeeklyArticles/Why-we-tweet.aspx
 

0 التعليقات :

إرسال تعليق